قصة صبر ايوب عليه السلام على الابتلاء ...
إن قصة ابتلاء أيوب عليه السلام وصبره ذائعة مشهورة وهي تضرب مثلاً للابتلاء ، والصبر، وقد ابتلاه الله عز وجل فصبر صبرًا جميلاً ، ويبدو أن ابتلاءه عليه السلام كان بذهاب المال ، والأهل ، والصحة جميعًا ولكنه ظل على صلته بربه ، وثقته به ، ورضاه بما قسم له ، وكان الشيطان يُوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ومنهم زوجته بأن الله عز وجل لو كان يحب أيوب عليه السلام ما ابتلاه ، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء ، فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربنها عددًا عَيّنَه ، قيل مائـة ، وعندئذٍ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان ، ومداخله إلى نفوس خلصائه ، وَوَقْع هذا الإيذاء في نفسه { أني مسني الشيطان بنصب وعذاب } فلما عرف ربه منه صدقه ، وصبره ، ونفوره من محاولات الشيطان ، وتأذيه بها أدركه برحمته ، وأنهى ابتلاءه ، ورد عليه عافيته إذ أمره أن يضرب الأرض بقدمه فتنفجر عين باردة يغتسل منها ويشرب فيشفى ويبرأ { اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب } فأما قسمه ليضربن زوجته ، فرحمة من الله به وبزوجته التي قامت على رعايته ، وصبرت على بلائه ، وبلائها به ، أمره الله أن يأخذ مجموعة من العيدان بالعدد الذي حدده فيضربها بها ضربة واحدة تجزيء عن يمينه فلا يحنث فيها { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } هـذا التيسير ، وذلك الإنعام كانا جزاءً على ما علمه الله من عبده أيوب عليه السلام من الصبر على البلاء وحسن الطاعة ، والالتجاء إليه سبحانه { إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب } والمهم في معرض القصص هنا تصوير رحمة الله عز وجل وفضله على عباده الذين يبتليهم ، فيصبرون على بلائه ، وترضى نفوسهم بقضائه .
يقول الأستاذ/ سيد قطب ـ رحمه الله ـ : وقصة ابتلاء أيوب عليه السلام من أروع القصص في الابتلاء، والنصوص القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل، وأيوب عليه السلام هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله { أني مسني الضر } ووصف ربه بصفته { وأنت أرحم الراحمين } ثم لا يدعوا بتغيير حاله ، صبراً على بلائه ، ولا يقترح شيئاً على ربه تأدباً معه ، وتوقيراً ، فهو أنموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء ، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار ، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه ، فيدع الأمر كله إليه اطمئناناً إلى علمه بالحال ، وغناه عن السؤال وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب عليه السلام إلى ربه بهذه الثقة ، وبذلك الأدب كانت الاستجابة ، وكانت الرحمة ، وكانت نهاية الابتلاء . قال تعالى :{ فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم } رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح ، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم { رحمة من عندنا } فكل نعمة فهي من عند الله ومنة {وذكرى للعابدين } تذكرهم بالله وبلائـه ورحمته في البلاء وبعـد البلاء ، وإن في بلاء أيوب عليه السلام لمثلاً للبشرية كلها.